المسجد
(بيت العبادة والعلم والتربية)
إن المتأمل في تاريخ المساجد في ديننا يجد أن المسجد هو أول الصروح التي أقامها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في دولته، حيث كان أول عمل قام به عليه الصلاة والسلام عند دخوله المدينة هو بناء المسجد، وفي ذلك إشارة واضحة إلى عظم شأن المسجد في هذا الدين،
فقد رُوي أنه صلى الله عليه وسلم لمَّا قدم المدينة فاستناخت به راحلته بين دار جعفر بن محمد بن علي ودار الحسن بن زيد، فأتاه الناس، فقالوا: يا رسول الله المنزل، فانبعثت به راحلته فقال: «دعوها فإنها مأمورة»، ثم خرجت به حتى جاءت به موضع المنبر فاستناخت ، ثم تخللت(1) الناس، وثَمَّ(2) عريش(3) كانوا يرشونه ويعمرونه ويتبردون فيه، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فآوى إلى الظل، فنزل فيه فأتاه أبو أيوب، فقال: يا رسول الله، إن منزلي أقرب المنازل إليك ، فانقل رحالك إليّ، فقال: «نعم»، فذهب برحله إلى المنزل، ثم أتاه رجل، فقال: يا رسول الله، أين تحل قال: «إن الرجل مع رحله حيث كان» [رواه البيهقي في الدلائل].
فهو إن نظرنا إليه من جهة العبادة؛ وجدنا أنه هو بيتها، ففيه تقام الصلوات الخمس، وفيه تقام الجُمَع، وفيه يتلى القرآن، ويذكر الرحمن.
وإذا نظرنا إليه من زاوية إليه من زاوية العلم والتعلم، فنجد أن المسجد هو موطن التعلم الأول في الإسلام، ففيه تكون حلق العلم، ومدارسة القرآن، وإنشاد الأشعار، ولم يزل المسجد هو منارة العلم الأولى، وما زال كذلك رغم كل ما حصل من تطور دور العلم، فما يزال المسجد يحتضن كثيرًا من دروس العلم، وتعليم القرآن.
وإذا نظرنا إليه من زاوية التربية، فنجد أن المسجد هو الموطن الذي يتم فيه توجيه المسلمين عبر صلاة الجمعة، أو ما يكون من مواعظ تتلو الصلوات، أو مواقف يكون المسجد مسرحها، فكم من الحوادث التي نُقلت إلينا كان ميدانها هو المسجد؟.
إضافة إلى كون المسجد هو مجمع المسلمين الذي لا يوجد له مثيل، يجتمعون فيه كل يوم خمس مرات، فيتعارفون ويلتقون، ويتحابون ويتقاربون.
وفي المسجد ترفع الدرجات، وتُحط السيئات، وتكثر الحسنات، المسجد دخوله بركة ورحمة، لذا يقول داخله: "افتح لي أبواب رحمتك"، ويقول الخارج منه: "افتح لي أبواب فضلك".
المسجد إذا تعلق به القلب، وأنِس به الفؤاد، وأحب العودة إليه؛ كان ذلك علامة خير، وصاحبه يرجى له الاستظلال في ظل عرش الرحمن "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه" [متفق عليه].
المسجد موطن التلاقي والمحبة، والعبادة والعلم، والتربية والعطاء، فهل فهمنا رسالته؟
...................
.د. عويض بن حمود العطوي