هل أعلمه الأدب أم أتعلم منه قلة الأدب؟
في كل صباح اقف عند كشك بائع الجرائد الصغيرةالقى عليه تحية الصباح وااخذ صحيفتى المفضلة ادفع ثمنها وينطلق ولكنى كنت لا احظى إطلاقا برد من البائع على تلك التحية،
وفي كل صباح أيضا يقف بجوارى شخص آخر يأخذ صحيفته المفضلة ويدفع ثمنها ولكن صاحبنا لا اسمع له صوتا
وتكررت اللقاءات أمام الكشك
بينى وبين هذا الرجل كل يأخذ صحيفته ويمضي في طريقه، وظننت ان هذا الشخص الآخر لا يتكلم ربما أبكم
إلى أن جاء اليوم الذي وجد ذلك الأبكم يربت على كتفى وإذا به يتكلم
متسائلا: لماذا تلقي التحية على صاحب الكشك؟ فلقد تابعتك
طوال الأسابيع الماضية وكنت في معظم الأيام ألتقي بك وأنت
تشتري صحيفتك اليومية.
فقلت : وما الغضاضة في أن ألقي عليه التحية؟
قال: وهل سمعت منه ردا طوال تلك الفترة؟
فقلت : لا
قال: إذا لم تلقي التحية على رجل لا يردها؟
فسألته : وما السبب في أنه لا يرد التحية برأيك؟
قال : أعتقد أنه وبلا شك رجل قليل الأدب، وهو لا يستحق أساسا أن تُلقى عليه التحية.
فقلت: إذن هو برأيك قليل الأدب؟
قال: نعم.
قلت: هل تريدني أن أتعلم منه قلة الأدب أم أعلمه الأدب؟
فسكت الرجل لهول الصدمة ورد بعد طول تأمل: ولكنه قليل الأدب وعليه أن يرد التحية.
سألته مره اخرى: هل تريدني أن أتعلم منه قلة الأدب أم أعلمه الأدب.
وقلت له: يا سيدي أيا كان الدافع الذي يكمن وراء عدم رده لتحيتنا
فإن ما يجب أن نؤمن به أن خيوطنا يجب أن تبقى بأيدينا لا أن نسلمها لغيرنا ولو صرت مثله لا ألقي التحية على من ألقاه لتمكن هو مني وعلمني سلوكه الذي تسميه قلة أدب !!
وسيكون صاحب السلوك الخاطئ هو الأقوى وهوالمسيطر وستنتشر بين الناس أمثال هذه الأنماط من السلوك الخاطئ،
ولكن حين أحافظ على مبدئي في إلقاء التحية على من ألقاه
أكون قد حافظت على ما أؤمن به، وعاجلا أم آجلا سيتعلم
سلوك حسن الخلق.
وقلت: ألست معي بأن السلوك الخاطئ يشبه أحيانا السم أو النار
فإن ألقينا على السم سما زاد أذاه وإن زدنا النار نارا أو حطبا زدناها اشتعالا، صدقني يا أخي أن القوة تكمن في الحفاظ
على استقلال كل منا، ونحن حين نصبح متأثرين بسلوك أمثاله
نكون قد سمحنا لسمهم أو لخطئهم أو لقلة أدبهم كما سميتها
أن تؤثر فينا وسيعلموننا ما نكرهه فيهم وسيصبح سلوكهم
نمطا مميزا لسلوكنا وسيكونون هم المنتصرين في حلبة الصراع اليومي بين الصواب والخطأ.
ولمعرفة الصواب تأمل معي جواب النبي عليه الصلاة والسلام على ملك الجبال
حين سأله: يا محمد أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: لا إني أطمع أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون .
لم تنجح كل سبل الإساءة من قومه عليه الصلاة والسلام أن تعدل سلوكه من الصواب إلى الخطأ مع أنه بشر يتألم
كما يتألم البشر ويحزن ويتضايق إذاأهين كما يتضايق البشر
ولكن ما يميزه عن بقية البشر هذه المساحة الواسعة
من التسامح التي تملكها نفسه، وهذا الإصرار الهائل على الاحتفاظ بالصواب
مهما كان سلوك الناس المقابلين سيئا أو شنيعا أو مجحفا أو جاهلا، ويبقى
السؤال قائما حين نقابل أناسا قليلي الأدب
هل نتعلم منهم قلة أدبهم أم نعلمهم الأدب؟