فى غَزَل كل شىء
بقلم د. أيمن الجندى
يا رب. أنت تعرف القصة كاملة، ولكنى أحب أن أحكيها.
■ ■ ■
لكل إنسان طريقه الخاص إلى ربه. وكان دليلى إليك شيئاً مألوفاً يتكرر عدة مرات كل يوم، لكننى أحسست به هذه المرة بشكل مختلف.
مازلت أذكر هذا المساء! كنت قد استيقظت من نوم الظهيرة رائق البال، راضياً عن الكون. الكيمياء العجيبة التى لا ندرى تفسيرها تنقلنا من حال إلى حال. رحت أرشف الشاى المعطر بالنعناع مستمتعاً به، سعيداً بالحياة. بعد فترة شعرت بالجوع. مضيت أعد طعام العشاء فى تأن ومزاج . طاب الطعام وطابت شهيتى. فمضيت أتناوله فى لذة وتمهل، ورائحته النفاذة تُذْكى شهيتى. وتوقفت عن المضغ، إذ خطر ببالى تساؤل منطقى: من رزقنى الطعام ورزقنى الشهية؟!. تفكرت قليلا فلم أجد أحداً سواك يا رب.
وتساءلت: لماذا؟!
لماذا يا ربى تود إسعادى على هذا النحو؟. لست أنا وحدى بل البشرية كلها. لو كان هدف الطعام البقاء أحياء لكان ممكنا أن تكون الحياة ملعقة من خضار على حفنة من أزر، أو قطعة من لحم على كسرة من خبز. فلماذا كل هذا التنوع حولنا؟! لماذا خلقت الفاكهة- مثلا- سوى أنك تدللنا؟! لماذا تدللنا يا رب؟! أتراك تحبنا؟ لا أجد تفسيرا آخر! أنت تعلم إعراضنا عنك، ولا يعلم مقدار ذلنا إلا أنت. ولا يعرف عدد ذنوبنا إلا أنت! فلماذا تحبنا يا رب؟!
■ ■ ■
عدت إلى مضغ الطعام فى بطء، والدموع تغرق عينى فى بطء. لا أدرى ماذا دهانى! وما الذى تغير فى نفسى عن كل يوم! الكلب إذا أطعمته حمل الجميل، وهرع إليك يهز ذيله كلما شاهدك. استشعرت خجلاً من جحودى، أفلا أكون كلبا يا رب؟!
■ ■ ■
وإذا أردت أن أحمدك فكيف أرفع لك صلوات شكرى، وجميع الكائنات تتبارى فى السجود لك؟. الكل يسبّح بحمدك ويقدّس اسمك ويذعن لمشيئتك. مظاهرة كونية فى حبك، تسجد النباتات باللون الأخضر، ويبسط النخيل ذراعيه لأعلى، طويل القامة كعاشق نبيل ينظر طيلة الوقت إلى السماء، وحين يقطع الشوق قلبه تثمر أكمامه بالبلح الملون.
والأشجار التى لا تشبه واحدة أختها! وفى كل وجه شجرى سمات العاشقين. والزهور حمراء وبيضاء وصفراء وبنفسجية، تسجد لك باللون والرائحة، وتوحى إلى النحل أن اسلكى سبل ربك ذللا فيفيض بالعسل الصافى والشهد المعطر. وتغرب الشمس فى السماء، فتشرق الشموس فى صدور العارفين، وأنا وحدى غارق فى الظلام.
■ ■ ■
أحب الله مثل دابة ضعيفة يطعمها سيدها بيديه! وأشعر بالخجل العميق كلما قرأت آية فى القرآن تدعونا لذكره وحمده وعبادته. مفروض أن نفعل ذلك دون أن يطلب منا! فما أغناه أن يطلب وما أحوجنا أن نستجيب. وما أشد قسوتنا إذ يطلب ثم لا نستجيب. يارب: كيف نذكرك والكون يذكرك؟! أم كيف نشكرك والكون يشكرك؟! أم كيف نعبدك والكون يعبدك! وإذا كان حمدك نعمة تستحق الحمد، فكيف السبيل إلى الثناء عليك؟![b][b]