كن مباركاً أينماكنت
إن قيامك-أيها الداعية- بدور ولو- يسير-...ومساهمتك بشيء ولو-قليل-
في الدعوة إلى الله..ونشر الخير..والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لدليل على صدق إيمانك.. والجدية في إلتزامك..
ومظهر من مظاهر استقامتك...وبرهان على احتسابك وثباتك..
وإثبات لصدق ولائك لربك.. وأتباعك لنبيك صلى الله عليه وسلم...وانتمائك لدينك...
وعلامة فوزك وفلاحك..وإصلاحك وصلاحك .. وتفوقك ونجاحك..
قال عز وجل(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)
وحوّل عواطفك الجياشة،إلى أعمال فاضلة مثمرة...
واجعل انتسابك إلى الإسلام مواقف خالدة..
ولا تكن كلاً على مولاك أينما يوجهك لا تأتي بخير...
وبرهن على صحة إيمانك.. بصلاح أعمالك..
شكراً لله على نعمة الهداية والاستقامة..
وجزاء لما تفضل به علينا من العلم والإيمان ...
وكن مباركاً أينماكنت..
فأنت أيها المسلم الملتزم بشرع الله تعالى:
ثروة هائلة- لكنها مهدرة..
وعملة نادرة- لكنها مهملة..
وكنز عظيم لكنه مدفون..
وجهاز عجيب لكنه معطل...
مواهب مقتولة..وطاقات مكبوتة..
فهل عرفت قيمة نفسك ؟و استفدت من قدراتك...
دوائك فيك وما تشعر - ودائك منك وما تبصر
وتحسب أنك جسم صغير - وفيك انطوى العالم الأكبر
فكن مباركاً أين ماكنت..
فمن للبشرية ينتشلها من المستنقات الآسنة والجاهلية المعاصرة..؟!!
إلا أهل الإسلام..وحملة الرسالة..ودعاة الحق..
نعم..فنحن وحدنا المسئولون أمام الله عن هذا الدين...
فلن ينزل الله إلينا ملكاً من السماء،ولن يرسل إلينا رسولاً في الأرض...
فإنْ تخلينا عن هذه المسؤولية وفرطنا في تلك الأمانة...
ولم نؤد ما يجب علينا من دور تجاه ديننا..فلننتظر العقوبة العاجلة.
فقد تكون العقوبة الحرمان- والعياذ بالله- من نعمة الهداية..
لأننا لم نرعاها حق رعايتها ولم نشكر الله عليها.
فكم سمعنا بمستقيمين انحرفوا،وصالحين فسدوا،ومهتدين ضلوا وانتكسوا..
ذلك لأنهم لم يأخذوا الكتاب بقوة، فتولى عن طريق الهداية بسبب ذنوبه..
قال تعالى((فإن تولوا فأعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم))
بل أشد من ذلك نخشى أن يحل بالمجتمعات البلاء العام...
حين تنتشر المنكرات في المجتمع المسلم،فيألفها الناس وتصبح بينهم معروفاً..
فينتشر الشر ويعم..ويقل الخير ويكاد يندثر..فإن العلاقة بين الخير والشر تناسب عكسي..
فإن ضعف المؤمنين عن إظهار الدين والسنة..يقابله مجاهر الفساق بالمعاصي والمنكرات.
والله يقول محذراً المتخاذلين عن نصرة الدين(وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة)..
ويقول جل شأنه واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة...)
فكن مباركاً أينماكنت...
فإنْ وجدتم-يا معاشر الدعاة-في أنفسكم...
عجزاً و خوراً و ضعفاً.. عن القيام بالمسؤولية -وأنتم أهلها- ...
فأعلموا أن الله سيأتي بأجيال سيحملونها وأفذاذ يرفعونها...
(وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).. ويقول تعالى مستغنياً (ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد).
فلا يكفي أن نتشدق بالكلمات الرنانة التي ليس منها نفع..وننخدع بالمظاهر الجوفاء التي ليس من ورائها طائل..
بل نريد.....
شباب مؤمن بالله يمضي - و للإسلام يندفع اندفاعـا
أيها الداعية: أفلا..كنت مباركاً حيث ماكنت..
كذاك الشاب الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم...
نبي الله يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام الذي لم يمنعه
بـُعده عن أهله،وحبسه في السجن،وغربته،ووحدته... من حمل همّ الإسلام
فقال: ((يا صاحبي السجن أرباب متفرقون خيراً أم الله الواحد القهار))
أو كنت فتية الكهف..
الذين لم يكتفوا بالإيمان بل أنكروا فعل قومهم قائلين:
(هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه ألهه لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن..الأية).
أو كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،ورضي الله عنهم الذين كانوا أسمى النماذج،وأعلى المُثل في ذلك..
فعندما أراد الأنصار مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية وكانوا شباباً أخذ أصغرهم بيده
وهو أسعد بن زرارة فقال: رويداً يا أهل يثرب إنا لم نضرب له أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله
وإن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وقتل خياركم وأن نقضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك
فجذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفةً فذروه فهو أعذر لكم
عند الله فقالوا أمط عنا يدك فوالله ما نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فبايعوه رجلاً رجلاً...
فكانوا حقاً(رجال صدقوا ما عاهدوا)) فقد:
أقاموا عمود الدين من بعد صدعه * و أعلوا لواء الحق فوق الخلائق
وهذا فاروق الإسلام عمر رضي الله عنه بعد أن أسلم مباشرة يقول: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ قال: بلى، قال: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجنّ، فخرجنا0000
وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه- الضعيف الغريب- عندما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أرجع إلى قومك قال: والذي نفسي بيده لأصرخنّ بها ((أي كلمة التوحيد)) بين ظهرانيهم0
فقد ضربوا أروع الأمثلة في التضحية و الفداء بالنفس والنفيس والغالي في سبيل الله ونصرة لدينه ورسوله حتى يلاقي أحدهم الموت فيقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً * على أي جنب كان في الله مصرعي
وإذا ترددت نفسه قليلاً أرغمها قائلا:
أقسمت يا نفس لتنزلنه * مالي أراك تكرهين الجنة
فقيمة كل واحد منا ما يحتسبه ويفعله في خدمة دينه...
وإذا استطعت باباً من الخير فأعمل به-على أي وجه من أوجه الخير وطرق البر ..
ولو مرة تكن من أهله...هكذا ينبغي أن يكون الداعية...
فكن مباركاً أينماكنت..
ولاتكن كمن قيل فيه:
وأنت امرأ فينا و خلقت لغيرنا - حياتك لا نفع و موتك فاجع
وهذا حال الأكثرين من أبناء الأمة-وللأسف-..
أرقام بلا رصيد..وأشخاص بلا نفع..وأشباح بلا حركة0
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
(أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل)
عدد الحصى والرمل في تعدادهم - وإذا حسبتهم وجدتهم أصفار
وقال عليه الصلاة والسلام : ((الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة)) رواه البخاري
والناس من هو ألف كواحد - و واحد كالألف إن أمر عنا
فكن أنت ذلك الواحد..وتيك الراحلة..
وكن مباركاً أينماكنت...
فقد تحول البعض إلى أبواق يردد الشكاوي،ويكثر الأنين..
ويكتفى بندب حال المسلمين،ويتسخط من ظلم الظالمين..
دون المساهمة في أعمال إيجابية أو مشاريع عملية..فماتسمع له إلا جعجعة و لا ترى طحيناً..
صدق عليهم ماجاء في الأثر يأتي في آخر الزمان أقوام أخر قصدهم التلاوم)..
أو كما قالت العرب: أوسعتهم شتما وساروا بالإبل..
فعجباً لجلد الفاجر..وعجز الثقة..
فهؤلاء الضالون يخططون الليل والنهار لقضاء شهواتهم وتحقيق مآربهم وتنفيذ رغباتهم..
ويذوقون في سبيل ذلك ألماً ومشاقاً وهم على الباطل..وليس لهم هدف شريف،ولا غاية كريمة..!!
فلماذا أخي لا تركب الصعاب؟ وتتجاوز العقبات..لنيل أشرف هدف وأكرم غاية؟
(إن تكونوا تألمون فأنهم يألمون كما تألمون وترجون لله مالا ترجون )0
وأنفض عنك غبار الكسل،وأرفع رأسك وأزل عن وجهك غشاء الوهم..
فكن مباركاً أينماكنت..
وقل:- إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني - دُعيت ولم اكسل ولم أتلبد
ولا تردد قول الجاهلي يوم الفيل (أنا رب الإبل..وللبيت رب يحميه)
وردد قول الشافع المشفّع يوم المحشر: أنا لها..أنا لها .
ونافس على الفردوس..بجد ومثابرة وتضحية ومغامرة..
وسابق إلى رضا الله ..بهمة عالية ونفس أبية..وطموح وإصرار وتوكل وإحتساب0
لا تغريك الملهيات..ولا تشغلك الترهات..ولا تفتنك الملذات..
متبع لسيد الكائنات..راغب في أعلى الدرجات من الجنات .
ولا تعيقك أي عقبة مهما عظمت.. ولا تمنعك أي معضلة مهما صعبت..
فما هي إلا أوهام وشبهات فلا تبالي بها..ولا يصدنك الشيطان عن معالي الأمور بسببها..
وأعلم أن العمل للدين لا ينحصر على فئة من الناس..أو طائفة من الأمة..
بل كل من ينتسب للإسلام..فعلية جزء من المسئولية حسب قدراته وإمكانياته.
ولا تحتقرن من المعروف شيئا ولو:
رأي..أو فكرة..أو اقتراح..أو أي عمل... مهما كان صغيراً...
فإن لم تكن ذهبا فكن فضة..
وإن لم تكن طريقا فكن ممراً..
وإن لم تكن كاتبًا فكن قارئا..
وإن لم تكن بندقية فكن رصاصة..
وإن لم ترمي فاجمع الحصى لمن يرمي به...أو كن حصاةً تُرمى..!!
وأستعن بالله ..ولاتعجز..وأعلم..أنّ العاقبة للمتقين
وكن مباركاً أينماكنت...
قال بن القيم رحمه الله}فإن بركة الرجل تعليمه للخير، حيث حل أو نصحه لكل من اجتمع به،
وقال الله تعالى إخباراً عن المسيح عليه السلام:-واجعلني مباركاً أينما كنت:-
(أي معلماً للخير داعياً إلى الله ومذكرا به مرغباً في طاعته، فهذا من بركة الرجل)
بقلم الشيخ /
حميدان بن عجيل الجهني